عن التسامح والتسليم

كيف لإنسان أن يستكبر عن عفوٍ هو في أمس الحاجة له؟ سؤال أطرحه على نفسي التي لم تدرك قيمة التسامح حتى عرفت الوجه القبيح للكبر. عندما ننظر إلى الصورة ونحن جزء منها تفوتنا الكثير من الزوايا والمنحنيات والتفاصيل التي تشكل شيئًا ذو معنى حقيقي. يصبح كل شيء قريب من بصرنا ذو معنى ناقص أو ربما مشوه. قد نظن أن الظلم الواقع علينا مباشرة ليس حلقة من سلسلة أخطائنا الكبيرة. لأننا لا نرى شيئًا خارج تلك الحلقة الصغيرة. الحلقة الضيقة المؤلمة جدًا حد الاختناق. نعم نختنق ونثور بلا مساحة لنفيض. نعم نتأذى كثيرًا وكثيرًا جدًا. حتى تأتي لحظة تسليم نعجز فيها عن المقاومة واللوم. نستلقي في الظلام بأريحية غريبة. نتسامح مع وجودنا في الحلقة الضيقة الخانقة. نتقبل واقعنا ولا ندري من أين أتى أو لماذا نحن جزء منه. وفي ظلمة التسليم نهدأ فندرك الكثير. نستمد شعاع نور من الداخل. من عمق تلك الروح النورانية التي تسكننا. ونشاهد حلمًا صغيرًا. نفتح فيه بابًا إلى الخارج ونصعد سلمًا فوق مادية محيطنا. فنتمكن من إلقاء نظرة أولى على الصورة الكاملة, ويصبح لكل شيء معنى. الباب المفتوح في الحلم كان دائمًا مفتوحًا في الواقع, لكن لم يكن الخروج سهلًا كفاية قبل أن ننهض ونقرر أن نمسك بمقبضه ونفتحه على عالم أوسع من أفقنا الحالي. انتظرنا أن يأتي من حبسنا ليخلصنا والمفاجأة أننا كنا ذلك السجان الذي يملك المفتاح. عندما يقع علينا ظلم ما, لا ندرك أنه مما كسبت أيدينا وأننا بإرادتنا الخالصة نتحرر منه, فقط إن سلمنا باستحقاقنا له. وأننا استدعيناه لحاجة في أنفسنا. أردنا أن نتعلم درسًا أو أن نتطهر من ذنبٍ, فلم نجد بوابة لذلك سوى أن نستخدم شخصًا آخر. ثم نسينا عقودنا وتوهمنا أن ذلك الشخص هو المخطئ في كل شيء. عندما ندرك أننا خُدعنا لأننا لم نصدُق أنفسنا, ولم نتلقى الحب الكاف لأننا لم نحب أنفسنا أو نظهر مشاعرنا لمن يهمنا أمرهم, ولم نحصل على حقوقنا لأننا وكلناها للآخرين أو تسلطنا على حقوق غيرنا.... سنسامح ذلك الشخص الذي اخترناه ليكون وسيلة فقط ثم ألقينا بكل اللوم عليه. وحينها لن نعود بحاجة إلى المزيد من ظلمه, لأننا تعلمنا ما نحن بحاجة إلى تعلمه أخيرًا. وليتنا لم نولد خطائين أو ناقصين, ليتنا ولدنا ملائكة ليس علينا أن نخوض تلك التجارب القاسية لنصل للنور الذي بداخلنا. لكنك يا عزيزي فقط إنسان, حُملت الأمانة فقبلتها. كم كنت شجاعًا في ذلك, وسرعان ما نسيت. وحتى لا تنسى مجددًا, تسليم, فقبول, فعفو, فوعي, فتحرر. وهكذا لا يمكن لخطوة أن تسبق أخرى, ولا يمكن لغيرك أن يكون له سبيلًا عليك. فأنت روح من الله.

تعليقات