حبه المشؤوم



كان يرعبه ألا تبغضه، ألا تخشى أن تكون شفافة تمامًا أمامه. لشخص صلب لا يعترف بمشاعره كما لم يعترف الآخرون به، كانت امرأة قوية وقادرة على الحب بمثابة كابوس حقيقي. لماذا لا تتوارى خلف الجدران كلما بناها لها وتطاول في البنيان؟ لماذا تخرج كلماتها الشجاعة كوردة حفرت في الصخر لتزهر، فتربك ما تبقى من غروره؟ ويغيظه كيف يغرق ويغرق أكثر في سواد حبه لها. فالعشق في قلبه ثقب أسود يبتلع عقله وهويته وكل ما شيده من بروج يأوي إليها ضعفه. لماذا تعبّر بلا عار، وكيف تتصالح مع ذاتها المكشوفة أمام عواصف الثلج؟ وتالله أنها تبقى متوهجة ومثيرة كشمس تموز. كمحيط سحيق، العودة من أعماقها مستحيلة. قسوة جميع الطغاة عبر التاريخ لا تكفي قلبًا تاه في عينيها وذاب مع ضحكاتها، أن يهرب من عشقه لتفاصيلها. إنها خطرة جدًا، جريئة جدًا، ومحبة جدًا. هي الحب ذاته في كون بغيض، يشفي كل من يستقبله، وينهي حياة كل من يرفضه برحمة مؤلمة. وكيف لا ينجذب كفراشة بلهاء لضوء الحب؟ ينجذب ولا يأسف على شيء. المستحيل الآن أن يُبعث من صعقه ويرفرف بعيدًا بجناحين مكسورين، وقلبًا أضاعه في حضنها. بينما لم تخسر هي شيئًا واحدًا فيه؛ بل كاملة تبقى، والعابرون لا يزيدونها ولا ينقصونها قدر أنملة من اتساعها. رغم بقاياهم التي تموت عند قدميها وتُدفن. يظن البعض أن طحنهم لمشاعرهم بعقل من حديد يمنحهم هالة القوّي الغالب. هي الوحيدة التي استطاعت أن ترى عقله الحديدي يهتز أمامها كجرّاح لا يتمكن من مشرطه. الضعف الحقيقي أن تسمح لصدمات الماضي أن تأكل من عنفوانك قطعة، أن تخدل كل شعور اعتاد أن يُحس بمخدرات الكبر والانتقام،  حتى إن مر بك حبيب صادق وجدك جسدًا بلا روح. وأصبحت في عينيه مستحقًا للشفقة أو البغض. السماح للماضي بأن يخترقك ويرحل دون أن يأخذك معه، وبعد عناق محب أو وداع صديق أو نظرات غريب، تلتفت للناحية الأخرى بذراعين مفتوحة لاستقبال جديد، بنفس الحب ونفس البراءة والشغف، وقد تعلمت الآن كيف تفرز الجديد بمنخل أضيق، لهي القوة الحقيقية.

تعليقات

إرسال تعليق