كم عمرك؟


الوقت مفهوم مطاطي جدًا، يتسع ويضيق وفقًا لثقافاتنا وما جبلتنا عليه مجتمعاتنا، التي تُكون عاداتها بناءًا على تجارب الجماعة، متجاهلة تمامًا تميز الأفراد في محاولاتهم لخوض تجربة مختلفة. ومثل اختلاف التوقيت، نظرت في ساعتي في وطني فوجدتني متأخرة، ثم عدت ونظرت مرة أخرى في مهجري فوجدتني مبكرة، وتعددت رحلاتي بين تراجع وتقدم، وبقى السؤال: متى يكون الوقت المناسب؟ 

البعض ينظر في المرآة ليقيس الوقت الذي استقر فيه، وآخرون يقيسونه بسيرتهم الذاتية، أو حالتهم الاجتماعية. بغض النظر عن نوع ساعتك، ستحاول دائمًا أن تضبطها على توقيت المحيطين بك. والفرضية التي لن تفكر باختبارها: ماذا لو لكل منا توقيته الخاص؟ 

 مع كل صباح خير وتصبحي على خير، سألت نفسي إن كانت راضية عما نبدو عليه الآن، بريق وجهنا ولمعة عينانا، لياقتنا البدنية والعاطفية، مزاجنا وطاقتنا، هل تتناسب مع الوقت الذي عشناه هنا؟ هل قمنا برحلات كافية، عملنا ما نحب، ووجدنا رفقاء؟ ماذا فعلنا اليوم لنقترب من هذا وهل أضعنا يومًا آخر؟ أحيانا ترد على أسئلتي بشجاعة، أن اصمتي، لقد حققنا الكثير في عمر صغير نسبيًا، ولكنك دائمًا ما تجدي مخرجًا سفسطائيًا لتثبتي تقصيري أو عدم موازنتي لكل متطلبات الرقم الحالي على الكعكة. وأنا من جهتي ركضت أيامًا وتراخيت أخرى، تعايشت كما يتعايش الجميع مع نقاط ضعفهم وحواراتهم الهدامة مع أنفسهم. لكن المضحك، أنك لم تعودي تسألينني عن الوقت الحاضر، وما إن كنا في اتساق معه; بل حولتي اهتمامك إلى الماضي. 

بصراحة أقضي الكثير من حاضري، أقلب في صفحات الماضي. صوري القديمة، انجازاتي المكتملة، يومياتي قبل عامين، أو ثمان. ولسبب ما تبدو تلك القصص البائدة مثالية! كم كانت حياتي رائعة وشعري طويل وجسمي نحيف. كم كنت نشيطة ومبتهجة وناجحة. يبدو أنني كنت بطلة حياة مكتملة الأركان. لكن مهلًا، لماذا لم أدرك ذلك حينها؟ لماذا كنت أبحث عن حميات غذائية وألوم نفسي على كسلها، وأبكي قبل تسليم الواجبات؟ لماذا قصصت شعري وسجلت في خدمة الإرشاد النفسي في الجامعة وشعرت أن الظروف كلها ضدي؟ المهم، انظروا إليّ كم كنت جميلة في تلك الصورة!! 

النوستالجيا، تلك العاطفة القوية التي تستدعينا من حين لآخر إلى الماضي، يبدو أنها مخادعة جدًا. وهدفها من خداعنا أن تتخلص من الأزمنة الأخرى جميعها، فلا نشعر بحاضرنا قبل أن يتحول إلى ماضينا، ولا نخطط لمستقبلنا لشعورنا بالاحباط من عجزنا عن العودة للوراء. نحن نفقد التوازن تمامًا أمامها، فلا نقيم الحاضر والماضي بواقعية، بل نقارن سلبيات الحاضر بإيجابيات الماضي، متجاهلين أية تحسينات قد تمت وأية تحديات خضناها سابقًا. 

صحيح أنني لم أعد أبدو كطالبة في الثانوية، وهذا محزن ألا تكون ما تريد وقتما تريد، لكنني غالبًا في العقد المقبل من حياتي سأنظر لنفسي الآن وأتغزل فيها. فمتى أدرك أن اللحظة الحالية هي أثمن ما أملك، وأن أعشيها حاضرة فيها، خير من أعود إليها بحنين قاصر؟ 

تعليقات