كنت مُعلمة

 

"أحترمك وممتنة لكِ معلمتي", رسالة تلقيتها في عيد المعلم مع صورة وردة حمراء. عادت بي إلى العام الماضي, حيث استيقظت كل يوم أحد وثلاثاء, أرتديت سترتي الرسمية, وأحتسيت قهوتي, في طريقي إلى الجامعة. أما باقي أيام الأسبوع, كنت ألتقي بنصف هندامي, طلبة المعهد عبر زووم. لم أفشل تمامًا في دور المعلمة, لكنني حتمًا كنت أصغر منه. معظم الطلبة كانوا يقربونني في العمر أو يزيدون. وكنت أنا خارج سترتي, أصغرهم. داخل الصف أحسبني طالبة في درس جماعي, وأسعد بذلك, لكني حالما أخرج منه, أصطدم بمعلمين آخرين, موظفين, وإداريين, تحول تلك السعادة إلى تساؤلات لا محدودة, لماذا أنا هنا, بين أشخاص لا يشبهونني, في محيط لا يبدو أنني أنتمي إليه؟ جئت هنا بإرادتي, ولكن لماذا لست سعيدة؟

على الرغم من ذلك, شعرت بفخر كبير بدوري كمعلمة. وكانت تلك الرسالة التي تلقيتها, تذكيرًا قويًا بتأثيري على حياة إنسان آخر والتقدير الذي يكنه لي. بالتفكير في الأمر, كانت السترة الرسمية تعطيني شعورًا بالثقة والاحترافية، وكنت أدرك أنني مسؤولة بشكل ما عن توجيه هؤلاء الشباب وتعليمهم. في الصف، يجتمع الطلاب بشغفهم وتطلعاتهم ليجدوا في المعلم أمامهم القدوة والمرشد. إنه حتمًا يمتلك فرصة فريدة للتواصل مع مجموعة بشرية مستعدة لاستقبال أفكاره, وهو بدوره يستشعر حاجاتهم ويحفزهم لاستكشاف إمكاناتهم الكامنة. بأسلوبه وأدواته، يمكنه صقل مواهبهم وتشجيعهم على الاستمرارية. بل لديه فرصة أن يتجاوز ذلك إلى إعادة بناء شخصياتهم وقيمهم,  أن يجعلهم أشخاصًا مسؤولين وأخيارا في المجتمع, أو مهزومين وانتقاميين. جميعنا نمتلك ذكرى مؤثرة يبرز فيها هذا المعلم الاستثنائي, وإن كان لتأثيره علينا حدود, فلا يمكننا إنكاره تمامًا. هكذا كانت فكرتي عن مهنتي, وهذا ما أردت أن أكون عليه حين أقدمت على قبولها. ذلك قبل أن ألقي نظرة خاطفة على حياتي, فأجدني أولى بهذا الاهتمام. كان ما زال لدي أحلام لأسعى خلفها, قبل أن أساعد الآخرين في تحقيق أحلامهم. وكنت بحاجة أن أكون ذلك المرشد لنفسي. باختصار, كنت صغيرة جدًا على التضحية. 

في لحظة تقلصت في عيني جميع القيم والمثاليات, واخترت نفسي. نزعت سترتي الرسمية وارتديت حذاء الركض إلى وجهة غير معروفة, فكان المهم أن أركض. حاجة ملحة وعاصفة كموجة ليل, بداخلي, تدفعني إلى الهرب. من كل ما فرضه عليّ المعقول, إلى وسع وتنوع اللا معقول. في ذلك الركض العاصف، وجدت نفسي أمام عتبة حياة جديدة. كانت الخيارات تتراقص أمامي، وكأن العالم أصبح أكبر وأكثر تنوعًا من أي وقت مضى. فجأة أصبحت أستطيع أن أكون ما أريد، أن أتعلم ما أشتهي، وأن أتجاوز حدود المألوف والمأسوف عليه. الآن أدرك أن ذلك التحول ما كان إلا تلبية لرغبات شروق الصغيرة, التي قمعتها بنفسي, وألقيت باللوم على الآخرين والظروف. أدركت أنني قد خنت ذاتي، وأنني لم أسمح لشغفي وإبداعي بالتعبير عن أنفسهما بالطريقة التي يستحقانها. وبهذا تخليت عن الشريعة المفروضة والمسار المعهود لأكتشف الجوانب المظلمة والمجهولة في طبيعتي. بداخلي كانت هناك طفلة تبحث عن منفذ لأفكارها ورغباتها، ولكنني غلّقت الأبواب عليها وأوصدتها بمعايير المجتمع والتنافسية السامة وتوقعات الآخرين.

والآن، ها أنا أجري مع شروق الصغيرة في أرجاء المغامرة، أحملها بين ذراعي، ونستكشف أشياء عادية وغير عادية. أدركت أن الحياة ليست مجرد سلسلة من الواجبات والمثاليات، بل هي رحلة أنا فيها قبطان على الدفة. قد لا أعرف نهايتها، ولكني على الأقل أعيشها بكل تفاصيلها.

في لحظة ما تتسق مع مرحلة وعيك, تعي أن الحرية تكمن في قبول أنفسنا بكل تناقضاتنا وشغفنا الغير مبرر ورغباتنا. تدرك كم هو جيد أن تكون معلمًا, وكم هو رائع أن تكون واحدًا بين طلاب كثر. وأن تنمو من دور إلى آخر, يبقى احتمالًا مثيرًا. 

تعليقات

  1. "جميعنا نمتلك ذكرى مؤثرة يبرز فيها هذا المعلم الاستثنائي" هتفضلي انتي المعلم الاستثنائي دا بالنسبالي حتى لو مش بتدرسيني ♥️ وعلى قد ما انا وغيري زعلنا انك مشيتي ومش هتدرسينا تاني بس بجد بفرح ليكي من كل قلبي مع كل استوري بشوفها على الانستا ♥️

    ردحذف
    الردود
    1. أنا دايمًا فخورة بيكوا وممتنة للطفكم ❤️❤️

      حذف
  2. انا مكنتش طالبة عند حضرتك ولا اتعاملت مع حضرتك شخصيا بس حقيقي كل ما بقرأ حاجه ليكي بحس بالامل و الحرية و حب الذات و اد ايه الواحد لازم يجري ورا حلمه و يحققه بجد حضرتك بتديني ثقة و دفعه قوية اني اجري ورا حلمي و اختار نفسي شكرا اوي ❤️

    ردحذف
    الردود
    1. سعيدة جدًا بكلامك أشكرك 🤍 أتمنى لك كل التوفيق 🙏

      حذف
  3. انا اعرفك بس من الانستا بس بحب كتابتك اوى بتقدرى تعبرى عن كل اللى جوايا بشكل غريب شكرا ليك لانك من غير قصد بتساعدينى

    ردحذف
    الردود
    1. شكرًا لوجودك وكلامك وأتمنى دايمًا أقدر أساعدك 🤍

      حذف

إرسال تعليق