مشروعية التخلي ووصم الهرب

 


ماذا عليك أن تفعل في بيئة تقتلك ببطء؟ محاولة النجاة أم الإصلاح؟ التعايش أم الثورة؟ سؤال حير الكثير من أصحاب الوعي الذين فتحوا أعينهم في محيط سام. والغالب أنهم يصنعون خيارًا ثالثًا هو الفرار. ودون أن يشير لهم أحد بإصبعه ويقول: متخاذل! هم يجلدون أنفسهم كل ليلة على الاستسلام. مهلًا هل هو استسلام حقًا أم تسليم بالواقع؟ نحن لا ننظر للحياة بعدسة سوداء، بل هناك من صبغ الأرض والسماء والنجم والشجر والبحر والقمر بالسواد. الأمر ليس حربًا مع النفس وتشاؤمها أو تفاؤلها، فإن أردنا استعادة الصورة الملونة علينا أن نواجه قوة خارجية شريرة. أيظل الهروب في هذه الحالة استسلامًا أم ضرورة؟ يقال إن علينا اختيار معاركنا فلا نهدر طاقاتنا على كل شاردة وواردة، أو بصياغة أخرى (نريح دماغنا). الصراحة أنني عجزت عن تحديد المعارك التي تخصني. فأنا أجدني طرف في كل معركة ضد الظلم، التمييز، العنصرية، الفساد، الغباء، التفريط، التشدد، الرجعية، التسلط وقائمة لا نهائية من الطاقات المظلمة التي تحجز مكانها في عالمي بحكم الطبيعة أولًا، والموقع الجغرافي ثانيًا. فالتوازن الذي يخلقه التقابل قانون كوني، لا عدل بلا ظلم ولا  اندماج دون تمييز ولا حرية دون قيود. لكن في بقعتي الجغرافية طغى الظلام على النور واختل التوازن. فهل أنا مطالبة بمحاولة استعادته وأنا لا أرى شيئًا؟ وإن أشعلت شمعتي فمن سيقتبس منها نورًا والجميع قد ألفوا العتمة، بل وأصبحت شمعتي المرهقة تزعج عيونهم؟ لم أعد قادرة على التأقلم مع ضغط حمايتها والقلق المستمر على مساحتي الخاصة، ولم أعد أرغب في البقاء في البحار العاصفة أو الرياح العاتية، تلك الظروف القاسية التي تتطلب صمود وجلد. أريد أن أسبح بهدوء، أتنفس الصعداء وأرخي عضلاتي. لم أجد مكانًا سعيدًا للمصلحين سوى في التاريخ. تنتهي حياتهم البائسة وهم يتصدون للسهم والحجر والخنجر والشوك، ثم بعد قرون من موتهم توضع الورود على قبورهم وتعلق صورهم في الميادين. ولو هربوا بأنفسهم و(ريحوا دماغهم) لعاشوا حياة بسيطة رغيدة ثم ينسون كغيرهم من الأسلاف المسالمين المستسلمين. ماذا لو احتفظنا بحقنا في الضآلة؟ فالعظمة مكلفة جدًا.



تعليقات